إن الباحث في تاريخ دار الأطفال المراكشية سيجد أن هذه المؤسسة الاجتماعية بنيت من طرف المغفور له محمد الخامس لحاجة اجتماعية محضة حيث شهد المغرب خلال فترة الثلاثينيات من القرن الماضي مجاعة ذهب ضحيتها مجموعة من الناس، وكانت بعض الجاليات أو الجمعيات الخيرية الأجنبية اليهودية والمسيحية جعلوا لبني جلدتهم فنادق لإيواء المستضعفين منهم، فتحركت قريحة المراكشيين وغيرتهم من أجل أن يقتفوا أثر هؤلاء، فكان أن طالبوا بضرورة إيجاد مأوى يقي الرجال والنساء والأطفال من الجوع والفقر والتسول بل الموت، فكان أن وهب القائد الكلاوي جزءا يناهز حوالي خمس هكتارات ونصف من عرصة باني في مدينة مراكش لجلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه، وذلك استجابة لرغبة الجمعية الخيرية الإسلامية المراكشية في فعل الخير تجاه السكان المسلمين في مراكش ومن بين أعضاء تلك الجمعية نجد شاعر الحمراء الذي نظم قصيدة بالمناسبة تؤرخ للحدث وهي قصيدة (الله في البؤساء)، وذلك سنة 1934 ، فأخذت الجمعية الخيرية الإسلامية المراكشية تستقبل كل الحالات الإنسانية التي تتطلب مد أيادي العون والمساعدة للسكان دون تمييز بين فئات أعمارهم ولا غير ذلك، بمعنى أن الجمعية لم يكن يهمها في تلك الظرفية الحرجة الجانب التربوي، وإنما يهمها عتق الأنفس من العوز أو الموت، فالكل سواء إذ يختلط في الخيرية المريض والصحيح، ذو الحاجة الخاصة وغيره، العجوز والشيخ، الأحمق والعاقل، الصغير والكبير، وهكذا دواليك؛ ولقد تكدست هذه المؤسسة الخيرية بساكنة فاقت الطاقة الاستيعابية، بحيث روى لنا بعض الذين عايشوا فترة الثلاثينيات هنا بدار الأطفال المراكشية أن كل سرير حديدي يستغله ثلاثة نزلاء بشكل عمودي وتكاد لا تجد بين السرير والسرير إلا مسافة ضيقة لا تمكن المار بينها إلا بمشقة وهذا معناه أن المؤسسة الخيرية كانت تزدحم بساكنة تناهز الألف نزيل؛ وخلال هذه المرحلة وإلى حدود الخمسينات من القرن العشرين ظلت هذه الخيرية تسير بمدراء أجانب بحكم أن المغرب كان مستعمرا خلال تلك الفترة، ولا نكاد نعثر خلالها على أية وثيقة مكتوبة باللغة العربية،وشيئا فشيئا أصبحت الجمعية الخيرية الإسلامية تحس أن دورها ليس وقفا على إطعام المساكين والفقراء وعتقهم من الفاقة والفقر، فصارت تنظر إلى الجانب التربوي التعليمي كشرط أساس ليخف عن الجمعية العبء الاجتماعي، حيث أخذت تستقبل النزلاء الأيتام الذكور الذين هم في مرحلة التمدرس، أما النزيلات فلم يتم استقبالهم إلا في نهاية الستينيات، ودار الحضانة كذلك، وإن كان هذا الشرط صعب المنال في بادئ الأمر، نظرا لاستفحال ظاهرة (استيطان بعض الفقراء) لمؤسسة دار الأطفال المراكشية وعدم قدرتهم على مغادرة الخيرية لأسباب اجتماعية جلى، ولكن إرادة الجمعيات المتعاقبة على المكتب أصبحت تقوى يوما بعد يوم، وخصوصا بعدما نال المغرب استقلاله بعد الملك المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه، الذي أولى القطاع الاجتماعي أهمية كبرى، تم ملامستها من التدخلات الكبرى لقطاعات سياسية مهمة في الشأن الخيري وأولها التعاون الوطني ثم الوزارة الأولى ثم وزارة الشغل ثم المجالس البلدية وممثلو السلطات المحلية وغيرهم كثير، ومنذ تاريخ 1957 بدأت الجمعية الخيرية الإسلامية المراكشية تعين رئيسا لها، فكان أول رئيس لها السيد محمد بلقزيز، والسيد محمد الدباغ 1958، والسيد مولاي أحمد المنجرة 1959، ثم السيد محمد الدباغ 1959، والسيد محمد التباع من 1960 إلى 1977(في هذه السنة كان عدد النزلاء والنزيلات 684 منهم 390 طفلا و160 في المأوى و76 فتاة و58 آخرون يلجون المؤسسة الخيرية من طرف السلطات المحلية، وهذا يعني أن الجمعية عملت على شرط قبول النزلاء الممدرسين فقط) ،والسيد عبد الواحد بنعبد الله من 1978 إلى غاية 1994، ثم السيد محمد الحبيب الدباغ 1995 رحمه الله، ثم السيد عبد الواحد بنعبد الله ثانية من 1996 إلى 1999، ثم السيد محمد المديوري رئسا شرفيا من 1999 إلى 2001، ثم المرحوم مصطفى البارودي، وبعده السيد عبد الله الصقلي إلى الآن.

من تحرير مولاي مبارك أيت علي أوبهي يوم 25 ماي 2025.